في قضية تاريخية هزت الأوساط العسكرية والاستخباراتية النيوزيلندية، أُدين جندي في الخدمة بتهمة محاولة التجسس، مسجلاً بذلك أول إدانة بالتجسس في البلاد. أصدرت المحكمة العسكرية في بالمرستون نورث الحكم في 18 أغسطس/آب 2025، بعد أن اعترف الجندي، الذي لم يُكشف عن اسمه، بتقديم معلومات عسكرية حساسة لمن اعتقد أنه عميل أجنبي. تُسلط هذه المحاكمة غير المسبوقة الضوء على المخاوف المتزايدة بشأن تهديدات الأمن الداخلي، لا سيما في أعقاب الأنشطة المتطرفة السابقة.
تُبرز هذه القضية نقاط الضعف داخل قوات الدفاع النيوزيلندية، وتثير تساؤلات حول تأثير التطرف اليميني على الأمن القومي. ومع ظهور التفاصيل، يدعو الخبراء إلى إجراءات تدقيق أكثر صرامة، وتعزيز تدابير مكافحة التجسس لمنع أي انتهاكات مستقبلية.
خلفية القضية
خضع الجندي للتدقيق لأول مرة في أعقاب هجمات مسجد كرايستشيرش المأساوية في مارس/آذار 2019، والتي أودت بحياة 51 شخصًا. خلال حملة قمع وطنية ضد الجماعات اليمينية المتطرفة، حددته السلطات كشخص مهم نظرًا لانتماءاته وأنشطته على الإنترنت. وكشفت وثائق المحكمة عن حيازته مواد مرفوضة تتعلق بالهجوم، بما في ذلك الفيديو المباشر لإطلاق النار والبيان الذي كتبه الجاني برينتون تارانت. عُثر على هذه المواد أثناء تفتيش منزله، حيث عُثر أيضًا على ذخيرة عسكرية، مما زاد من تعقيد ملفه.
علم المحققون أن الجندي أعرب عن رغبته في الانشقاق والانضمام إلى قوة أجنبية، مما دفع أجهزة الأمن النيوزيلندية إلى مراقبة سرية. أدى ذلك إلى عملية سرية انتحل فيها ضابط صفة عميل من دولة أجنبية لم يُذكر اسمها – والتي لا تزال تفاصيلها طي الكتمان من قبل المحكمة لحماية العلاقات الدولية والتحقيقات الجارية. كشفت العملية عن استعداد الجندي لخيانة بلاده لتحقيق مكاسب أيديولوجية أو شخصية، مما يُذكر بقضايا تجسس تاريخية، ولكنه يُمثل أول إدانة لنيوزيلندا في هذا المجال.
تفاصيل محاولات التجسس
وفقًا للادعاء العام، سعى الجندي بنشاط إلى نقل معلومات سرية، بما في ذلك خرائط وصور لقواعد عسكرية، وأدلة هواتف من عدة معسكرات، وتقييم مفصل لنقاط الضعف في معسكر لينتون العسكري. كما قدّم رموز دخول وتعليمات للدخول غير المصرح به إلى المعسكر وقاعدة أوهاكيا الجوية القريبة، مما شكّل تهديدًا مباشرًا لأمن العمليات. لم تكن هذه الأفعال مجرد نقاشات؛ فقد سلّم الجندي مواد ملموسة للعميل السري، مُظهرًا نيته الواضحة في ارتكاب أعمال تجسس.
بالإضافة إلى تهم التجسس، أدانته المحكمة بالوصول إلى نظام حاسوبي تابع لقوة الدفاع لأغراض غير شريفة، على الأرجح لجمع البيانات المقيّدة التي قدّمها. وقد زادت حيازة المواد المتعلقة بهجوم كرايستشيرش من خطورة أفعاله، إذ ربطت أفعاله بالأيديولوجيات المتطرفة التي ابتليت بها نيوزيلندا في السنوات الأخيرة. في حين لم يُكشف علنًا عن هوية القوة الأجنبية المتورطة، تشير التكهنات في الأوساط الأمنية إلى دول ذات مصالح معادية، على الرغم من أن المسؤولين التزموا الصمت لتجنب التداعيات الدبلوماسية.
إجراءات المحكمة والحكم
سارت المحاكمة، التي عُقدت في محكمة عسكرية، بسرعة، حيث أقرّ الجندي بالذنب في التهم الرئيسية. وهذه هي ثاني محاكمة تجسس في تاريخ نيوزيلندا؛ إذ أسفرت الأولى، عام ١٩٧٥، عن تبرئة موظف حكومي سابق متهم بجرائم مماثلة. وأكد القاضي على خطورة الخيانة، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأفعال تقوض الثقة الأساسية للعمليات العسكرية والدفاع الوطني
.لا يزال الحكم معلقًا، مع عقوبات محتملة تشمل السجن والفصل من الخدمة والحرمان من المزايا. ويتوقع الخبراء القانونيون نتيجة قاسية نظرًا للطبيعة التاريخية للقضية والحاجة إلى ردع الحوادث المستقبلية. وقد جادل دفاع الجندي بوجود عوامل مخففة، مثل الضغوط النفسية التي لحقت بأحداث عام ٢٠١٩، لكن هذه العوامل لم تؤثر كثيرًا على نتائج المحكمة.
تداعيات أوسع نطاقًا على نيوزيلندا
تأتي هذه الإدانة في وقتٍ تُعزز فيه نيوزيلندا تحالفاتها من خلال أطر عمل مثل AUKUS وQUAD، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتُعدّ هذه الإدانة بمثابة تذكير صارخ بالمخاطر الداخلية، مما دفع قادة المعارضة إلى مطالبةٍ بإجراء تحقيق برلماني في التطرف العسكري. وصرحت وزيرة الدفاع جوديث كولينز بأن الحكومة ملتزمة بحماية الأسرار، مع برامج تدريبية مُحسّنة قيد التطوير بالفعل.
تباينت ردود الفعل العامة، حيث أعرب البعض عن صدمتهم من هذا الاختراق داخل صفوف الجيش، بينما اعتبره آخرون دليلًا ناجحًا على قدرات نيوزيلندا الاستخباراتية. وبينما تُكافح نيوزيلندا مع هذا الكشف، قد تؤثر هذه القضية على السياسات المستقبلية بشأن التطرف والتجسس، مما يضمن يقظة نيوزيلندا في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية على حد سواء.
في الختام، لا يُغلق هذا الحكم التاريخي فصلًا من خيانة جندي واحد فحسب، بل يفتح أيضًا حوارًا حول تعزيز الأمن القومي في عالمٍ يزداد تعقيدًا. ومع اقتراب موعد النطق بالحكم، تتجه كل الأنظار إلى كيفية استجابة نيوزيلندا لحماية سيادتها.