تنطلق دولة الإمارات العربية المتحدة بكامل قوتها نحو آفاق الذكاء الاصطناعي، كاشفةً اليوم عن استراتيجية وطنية جريئة تتعهد برفع مساهمات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد من 14% إلى 50% بحلول عام 2031.
تأتي هذه المبادرة الشاملة، التي أُعلن عنها وسط بريق القمة السنوية للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، في وقتٍ تتسابق فيه شركات التكنولوجيا العالمية لمواكبة جهود الابتكار المتواصلة التي تبذلها هذه القوة الخليجية. باستثمارات تجاوزت 100 مليار درهم إماراتي، تُدمج الخطة الذكاء الاصطناعي في كل نسيج من نسيج المجتمع – من المدن الذكية وثورات الرعاية الصحية إلى اللوجستيات المستقلة والحوكمة التنبؤية – مُبشّرةً بعصرٍ تُعيد فيه تقنيات السيليكون تعريف الازدهار.
تتمركز دبي في قلب هذا التحول، حيث ينبض بريق أفقها الرقمي بهمهمة مراكز البيانات التي تُعالج البيتابايتات في الوقت الفعلي. تهدف ركائز الاستراتيجية – تنمية المواهب، والأطر الأخلاقية، وتوسيع المنظومة – إلى خلق 100 ألف وظيفة متخصصة في الذكاء الاصطناعي خلال خمس سنوات، واستقطاب كفاءات من وادي السيليكون إلى شنتشن.
تخيلوا هذا: خوارزميات تُشخّص الأمراض قبل ظهور أعراضها، وأسراب طائرات بدون طيار تُحسّن إنتاجية الزراعة الصحراوية بنسبة 40%، ومساعدون افتراضيون يتفاوضون على صفقات تجارية بلهجات متعددة بدقة مذهلة. لقد بدأت الإنجازات المبكرة تتحقق بالفعل، مثل نظام التنبؤ بالفيضانات في الإمارات العربية المتحدة، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي تجنّب أضرارًا بقيمة ملياري درهم إماراتي خلال الطوفان النادر الشهر الماضي، أو النظام الهجين بين تقنية البلوك تشين والذكاء الاصطناعي الذي يؤمّن 95% من الشحنات البحرية عبر ميناء جبل علي.
ما يُميّز هذا ليس مجرد الطموح؛ بل التنفيذ. تتعاون الحكومة مع أكثر من 200 شركة ناشئة وشركة متعددة الجنسيات لنشر أدوات ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر مصممة خصيصًا للهجات العربية، مما يضمن الشمولية في منطقة غالبًا ما تُعيق فيها الفروق اللغوية الدقيقة النماذج الغربية.
في مجال الرعاية الصحية، تُجري عيادة كليفلاند في أبوظبي تجربةً تجريبية على شبكات عصبية تُخصص علاجات السرطان، مما يُقلل أوقات التعافي بنسبة 30% في التجارب. في الوقت نفسه، تُوازن شبكة مدينة مصدر الذكية، المُدارة الآن بالذكاء الاصطناعي، بين ارتفاعات الطاقة الشمسية لتزويد 500 ألف منزل بالطاقة بشكل محايد للكربون، وهو ما يُمثل نموذجًا لتصدير التكنولوجيا إلى الدول المجاورة التي تعاني من نقص الطاقة الشمسية.
“هذه أكثر من مجرد استراتيجية؛ إنها بيانٌ للتكامل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي”، هذا ما صرّح به مسؤول كبير في الكلمة الرئيسية للقمة، مُشددًا على الحواجز الأخلاقية مثل عمليات تدقيق التحيز وسيادة البيانات لمنع الوقوع في فخاخ مُدمرة. هل الإمارات العربية المتحدة في الصدارة؟ بيئة تنظيمية رملية أعطت الضوء الأخضر لخمسين مشروعًا تجريبيًا، بدءًا من مُدرِّسي الذكاء الاصطناعي الذين يُحدثون ثورة في التعليم من الروضة إلى الصف الثاني عشر في المناطق النائية، وصولًا إلى روبوتات تحليل المشاعر التي تقيس المزاج العام لإجراء تعديلات على السياسات. يتدفق رأس المال المُغامر بغزارة، حيث جُمِع 15 مليار درهم إماراتي خلال هذا الربع وحده، مما يُغذّي شركات ناشئة مثل شركة مقرها دبي تُعزز تقنيتها للتعرف على الوجه الأمن في مواقع إكسبو 2025 دون المساس بالخصوصية.
ومع ذلك، تلوح في الأفق تحديات. تُلاحق تهديدات الأمن السيبراني كل بايت، مما دفع إلى إنشاء لواء دفاع مُتخصص في الذكاء الاصطناعي مُدرَّب على التشفير المُقاوم للحوسبة الكمومية. لا تزال فجوات المواهب قائمة، على الرغم من أن المنح الدراسية الجذابة ومسارات التأشيرات السريعة تجذب 20 ألف خبير سنويًا. يُشير النقاد إلى الاعتماد المُفرط على العقول الأجنبية، لكن المُؤيدين يُعارضون ذلك بأن الابتكار الحقيقي يزدهر بالتنوع – تمامًا مثل فسيفساء الإمارات العربية المتحدة متعددة الثقافات التي تضم 200 جنسية.
مع غروب الشمس فوق الخليج العربي، تضج قاعات القمة بالصفقات المُبرمة تحت ثريات الكريستال، بدءًا من التعاون السعودي في مجال تحسين إنتاج النفط باستخدام الذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى التعاون الهندي في مجال كشف الاحتيال في مجال التكنولوجيا المالية. بحلول عام 2031، إذا صحت التوقعات، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُضيف 1.2 تريليون درهم إماراتي إلى الناتج المحلي الإجمالي، مُتجاوزًا بذلك عرش النفط المُتراجع، ومُرسخًا مكانة الإمارات العربية المتحدة كمركزٍ حيويٍّ في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لرواد الأعمال الذين يتطلعون إلى المستقبل، فهذا هو الوقت الأمثل: تُقدم حاضنات الأعمال في الشارقة تمويلًا أوليًا بدون أي قيود على رأس المال، بينما تُعفي المناطق الحرة في رأس الخيمة مشاريع الذكاء الاصطناعي من الضرائب.
في النهاية، لا يتعلق الأمر بتفوق الآلات على البشر، بل بتعزيز الإمكانات. من مسارات البدو إلى البرمجة الثنائية، لطالما وجّهت الإمارات العربية المتحدة المستقبل نحو إرادتها. إطلاق اليوم ليس شرارة؛ إنه انفجارٌ هائل، يُنير دروبًا حيث يرى الآخرون ظلالًا. وكما قال أحد الحضور مازحا أثناء تناول القهوة الإماراتية: “في الإمارات العربية المتحدة، لا تكتفي الذكاء الاصطناعي بحساب الاحتمالات، بل إنها تقوم أيضا بتقييم النتائج”.